هـــآي
آخبــآركم:
كان أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-يذهب إلى بيت امرأة عجوز كفيفة البصر, فيكنس بيتها،ويحلب شاتها،ولحقه ذات يوم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- فلما خرج سأل العجوز عنه. فقالت:يأتيني كل يوم فيعمل كذا وكذا، فبكى عمر- رضي الله عنه-وقال:ويحك ياعمر أعثرات أبي بكر تتبع يا عمر!! وحصل مثل ذلك بين عمر بن الخطاب وطلحة- رضي الله عنهما-،حيث كان عمر يذهب لبيوت الأرامل فيقضي حوائجهم فلحقه طلحة بن عبيد الله, فدخل بعده تلك البيوت فوجدهم أرامل لا يعلمون أنه عمر, فقال طلحة: أعثرات عمر تتبع يا طلحة.
وكان علي بن الحسين يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة،ويقول
إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب)(14).
وذُكر أيضاً أن ناساً من أهل المدينة يعيشون لايدرون من أي كان معاشهم،فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل.ولما مات وجدوا بظهره أثراً مما كان ينقل أكياس الطحين في الليل الى منازل الأرامل.
وقال بعضهم:مافقدنا صدقة السر حتى توفي زين العابدين علي بن الحسين –رحمه الله تعالى-
عن عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول
إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به)(15).
وعن يوسف بن عطية عن محمد بن واسع قال:" لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه، لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه".
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
وقال حماد بن زيد:" كان أيوب ربما حدث بالحديث, فيبكي, ويلتفت, ويمتخط, ويقول:ما أشد الزكام".
وعن ابن أبي عدِّي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازًا يحمل معه غداه من عندهم، فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيًا فيفطر معهم.(16).
وذكر الحسن البصري:" إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته، فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام ، قلت: لئلا يظن أنه يرائي بالبكاء"(17).
وقال مغيرة:" كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة، لا يدري الناس ما يصنع فيه"(18).
قال عبد الرحمن بن مهدي:" قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحاً ولا شيئاً من الخير"(19).
وقال نُعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول:" ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة"(20).
وروى الذهبي عن الخريبي قال:" كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح،لا تعلم به زوجته ولا غيرها"(21).
الأسباب المعينة:
أ - تدبر معاني الإخلاص:
فالتربية على الإخلاص لله سبحانه وتذكير النفس به دائمًا هي الدافع الأول على عمل السر، ذلك أن الباعث على عمل السر هو أن يكون العمل لله وحده, وأن يكون بعيدًا عن رؤية الناس، فعلى المربين تطبيق معاني الإخلاص في أمثال ذلك السلوك الخفي أثناء تدريسه للناس، وحثهم على عمل السر من منطلق الإخلاص لله سبحانه.
ب - استواء ذم الناس ومدحهم:
وهو معنى لو تربى عليه المرء لأعانه على عمل السر، إذ إنه لا تمثل عنده رؤية الناس شيئًا، سواء مدحوه لفعله أو ذموه له؛ لأن مبتغاه رضا ربه سبحانه وليس رضا الناس، وقد سبق أن بعض العلماء كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: اجعلوا الناس من حولكم كأنهم موتى.
جـ - الحرص على كمال العمل:
وأقصد بذلك أن يتعلم المسلم أنه يجب أن يسعى إلى أن يكتمل عمله, وتكمل كل جوانبه ليحسن ويقبل، وإن العمل الذي لا يراه الناس يُرجى فيه الكمال أكثر مما يرجى في غيره، فينبغي الاهتمام به أكثر.. لقوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [هود:7]
د - صدقة السر:
قال تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم) [البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًّا، فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه، وقد ذكر أهل العلم بعضاً من الفضائل في صدقة السر منها: أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف، ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم؛ فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه, ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء، ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.
هـ-أداء النوافل في البيوت:
فإنه أحرى للإخلاص،وفيه قدوة للأهل ولا سيما الأطفال، وفيه بركة ذكر الله في البيت قال :" أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" (22).
ان شاء الله ان الموضوع نال اعجابكم ولـآ تنسووا الردود